بعد حقبة مضطربة من الفتن والصراعات الداخلية التي أعقبت إستشهاد الإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنة، جاءت الدولة الأموية لتضع بصمتها في التاريخ الإسلامي كأول إمبراطورية منظمة توسّعت على نطاق واسع. تأسست هذه الدولة على يد معاوية بن أبي سفيان، الذي نجح في توحيد صفوف المسلمين تحت راية واحدة بعد انتهاء الخلافة الراشدة، مؤسسًا عهداً جديداً من الحكم الوراثي الذي غير مسار التاريخ السياسي للإسلام.
في هذا المقال، سنأخذك في رحلة تاريخية لاستكشاف الدولة الأموية، بدءًا من ظروف تأسيسها ومدة حكمها، إلى سياساتها واستراتيجياتها التي مكّنتها من التوسع إلى ثلاث قارات. سنتناول أيضًا الحالة الاجتماعية والثقافية التي ميزت تلك الفترة، ونلقي الضوء على أبرز حكامها وإنجازاتهم، والحروب والمعارك الكبرى التي خاضتها لتعزيز هيمنتها. كما سنتطرق إلى فترات القوة والضعف التي مرت بها، حتى نصل إلى نهاية الدولة الأموية وسقوطها، مع الإشارة إلى الإرث الذي تركته للأجيال القادمة.
الدولة الأموية |
تأسيس الدولة الأموية: معاوية بن أبي سفيان وميلاد قوة جديدة
في العام 41 هـ (661 م)، تأسست الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان، لتصبح أولى الدول الإسلامية بعد الخلافة الراشدة. جاء ذلك بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة لصالح معاوية في خطوة تاريخية حقنت دماء المسلمين وأنهت الفتنة الكبرى التي كادت تمزق الأمة. بفضل هذا الاتفاق، توحدت صفوف المسلمين تحت راية واحدة، مما مهّد لحقبة جديدة من الاستقرار.
معاوية بن أبي سفيان لم يكن غريبًا عن الحكم، فقد شغل منصب والي الشام منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث أظهر كفاءة عالية في الإدارة وشجاعة في اتخاذ القرارات المصيرية، واصبح والى الشام وما حولها من الأمصار فى عهد الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه. بعد وفاة الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وجد معاوية الفرصة مواتية لتوحيد الأمة التي كانت تعاني من انقسامات داخلية وصراعات مستمرة. بالتفاوض والحكمة، نجح في الوصول إلى اتفاق مع الحسن بن علي، ليبدأ عهده كخليفة.
كان معاوية بن أبي سفيان يتمتع بصفات قيادية استثنائية، فهو صحابي جليل وكاتب للوحي، ما أكسبه احترامًا واسعًا بين المسلمين. قراره بنقل العاصمة من المدينة المنورة إلى دمشق شكّل نقطة تحول استراتيجية، إذ عزز هذا الانتقال من كفاءة إدارة الدولة ومرونتها في التعامل مع المناطق الشاسعة التي كانت تحت حكم المسلمين. تأسيس الدولة الأموية لم يكن مجرد بداية جديدة، بل محطة محورية في تاريخ الإسلام السياسي.
نظام الحكم والسياسة الأموية: رؤية جديدة للاستقرار والتوسع
اتبعت الدولة الأموية نظام الحكم الوراثي، حيث كان يتم تعيين ولي العهد من أبناء الخليفة الحاكم، مما ساهم في استقرار الحكم ومنع النزاعات الداخلية على الخلافة. كانت هذه النقلة السياسية أحد أبرز إنجازات معاوية بن أبي سفيان، الذي بادر بتعيين ابنه يزيد وليًا للعهد. ورغم ما أثاره هذا القرار من جدل واعتراضات، إلا أن معاوية بحنكته السياسية استطاع فرض هذا التغيير، مما مهد لاستمرار الحكم الأموي لأجيال لاحقة.
السياسة الأموية اعتمدت بشكل كبير على التوسع الجغرافي وتعزيز سيطرة الدولة على المناطق المفتوحة. كانت الإدارة الأموية تنظم عبر تعيين ولاة محليين من العرب لضمان ولائهم واستقرار المناطق المفتوحة. وفي الوقت نفسه، استفادت الدولة من خبرات الشعوب المحلية في الإدارة والاقتصاد، مما ساعد على تطوير نظام الدولة وتحقيق توازن بين العناصر العربية والمحلية.
من أبرز الإنجازات الإدارية والسياسية خلال هذه الفترة كان توحيد العملة وتعريب الدواوين. هذا الإصلاح الذي بدأه معاوية واستمر في عهود خلفائه ساهم في تعزيز الاقتصاد وتسهيل الإدارة في الدولة الإسلامية الشاسعة. كما ركزت السياسات الخارجية على تحسين العلاقات مع القوى الإقليمية مثل الإمبراطورية البيزنطية، مع تجنب الصراعات غير الضرورية. بدلاً من ذلك، كان التركيز منصبًا على الفتوحات الإسلامية، خاصة في مناطق شمال إفريقيا والأندلس، ما وسّع حدود الدولة ورفع مكانتها بين الأمم.
الفتوحات الإسلامية في الدولة الأموية: امتداد الإمبراطورية الإسلامية
خلال فترة حكم الدولة الأموية، تم تحقيق فتوحات عسكرية ضخمة ترتبت وفق تسلسل زمني يعكس توسع الدولة من الشرق إلى الغرب. فيما يلي الترتيب الزمني لأبرز هذه الفتوحات:
1.فتح قبرص (28 هـ / 649 م):
بدأت أولى الحملات البحرية الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان بقيادة معاوية بن أبي سفيان عندما كان واليًا على الشام. أسفر هذا الفتح عن ضم قبرص إلى الدولة الإسلامية، ما جعلها قاعدة بحرية استراتيجية لمواجهة البيزنطيين في البحر الأبيض المتوسط.
2.فتح شمال إفريقيا (50 هـ / 670 م):
بقيادة عقبة بن نافع، توسعت الدولة الإسلامية نحو شمال إفريقيا، حيث أسس مدينة القيروان، التي أصبحت مركزًا دينيًا وعسكريًا. لاحقًا، استكمل موسى بن نصير وحسان بن النعمان فتح المنطقة بالكامل حتى وصل المسلمون إلى المحيط الأطلسي.
3.فتح بلاد ما وراء النهر (93 هـ / 712 م):
تحت قيادة قتيبة بن مسلم الباهلي، فتح المسلمون مناطق واسعة في آسيا الوسطى مثل بخارى وسمرقند. كانت هذه الفتوحات من أهم مراحل نشر الإسلام في تلك المناطق، حيث استمرت الدولة الأموية في تعزيز وجودها العسكري والثقافي هناك.
4.فتح الأندلس (92 هـ / 711 م):
في عهد الخليفة ا لوليد بن عبد الملك، قاد طارق بن زياد جيشًا عبر مضيق جبل طارق نحو الأندلس. تمكن من الانتصار في معركة وادي لكة على الملك القوطي رودريك، لتسقط مدن رئيسية مثل طليطلة وقرطبة وإشبيلية تحت سيطرة المسلمين، ما جعل الأندلس مركزًا حضاريًا في أوروبا.
5.فتح السند (92 هـ / 711 م):
بقيادة محمد بن القاسم الثقفي، شق الجيش الإسلامي طريقه نحو الهند وفتح مدينة الديبل ثم توغل نحو مدن رئيسية مثل ملتان والسهسوان. هذه الفتوحات مهدت الطريق لإقامة حكم إسلامي قوي في المنطقة، واستمر تأثيرها لقرون.
6.معركة بلاط الشهداء (114 هـ / 732 م):
رغم هزيمة المسلمين في هذه المعركة بقيادة عبد الرحمن الغافقي أمام الفرنجة بقيادة شارل مارتل، إلا أن التوسع الإسلامي في الأندلس كان قد بلغ ذروته، قبل أن تتوقف الفتوحات نحو شمال أوروبا.
قائمة الحكام الأمويين وأبرز إنجازاتهم
الدولة الأموية، التي تأسست عام 41 هـ (661 م) واستمرت حتى سقوطها عام 132 هـ (750 م)، قادها أربعة عشر خليفة تركوا بصمات بارزة في التاريخ الإسلامي. فيما يلي قائمة بجميع حكام الدولة الأموية وأهم إنجازاتهم:
1. معاوية بن أبي سفيان (41 هـ - 60 هـ / 661 م - 680 م):
- مؤسس الدولة الأموية وأول خلفائها.
- تميز بمهاراته السياسية والدبلوماسية.
- نقل العاصمة إلى دمشق ووضع أسس دولة مستقرة وقوية.
2. يزيد بن معاوية (60 هـ - 64 هـ / 680 م - 683 م):
- شهد عهده أحداثًا بارزة مثل واقعة كربلاء في 61 هـ (680 م).
- حكمه كان بداية الفتنة الثانية التي أثرت على استقرار الدولة.
3. معاوية بن يزيد (64 هـ - 64 هـ / 683 م - 684 م):
- حكم لفترة قصيرة جدًا.
- تنازل عن الخلافة، مما أدى إلى فترة اضطرابات سياسية.
4. مروان بن الحكم (64 هـ - 65 هـ / 684 م - 685 م):
- استعاد وحدة الدولة بعد انقسامات داخلية.
- أسس الفرع المرواني في الحكم الأموي.
5. عبد الملك بن مروان (65 هـ - 86 هـ / 685 م - 705 م):
- قام بإصلاحات إدارية هامة مثل تعريب الدواوين وسك العملة الإسلامية.
- عزز قوة الدولة وسيطر على المناطق المتمردة.
6. الوليد بن عبد الملك (86 هـ - 96 هـ / 705 م - 715 م):
- شهد عهده توسعات كبيرة مثل فتح الأندلس وبلاد ما وراء النهر.
- ركز على العمران وبناء الجامع الأموي في دمشق.
7. سليمان بن عبد الملك (96 هـ - 99 هـ / 715 م - 717 م):
- اهتم بتحقيق العدالة وتحسين أوضاع الرعية.
- تميز عهده بالتخطيط لحملة فتح القسطنطينية.
8. عمر بن عبد العزيز (99 هـ - 101 هـ / 717 م - 720 م):
- عُرف بلقب الخليفة الراشد الخامس بسبب عدله وزهده.
- ركز على الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية وتقليل الفوارق بين الناس.
9. يزيد بن عبد الملك (101 هـ - 105 هـ / 720 م - 724 م):
- تميز حكمه بالهدوء النسبي مقارنة بمن سبقوه.
- واصل سياسة الاستقرار الداخلي.
10. هشام بن عبد الملك (105 هـ - 125 هـ / 724 م - 743 م):
- قاد الدولة في أوج قوتها، وحقق استقرارًا سياسيًا واقتصاديًا.
- شهد عهده معركة بلاط الشهداء في 114 هـ (732 م).
11. الوليد بن يزيد (125 هـ - 126 هـ / 743 م - 744 م):
- تميز حكمه بالترف والإهمال، مما أثار الاستياء الشعبي.
- اغتيل بسبب سياساته المثيرة للجدل.
12. يزيد بن الوليد (126 هـ - 126 هـ / 744 م):
- حاول إجراء إصلاحات داخلية، لكنه حكم لفترة قصيرة جدًا.
13. إبراهيم بن الوليد (126 هـ - 127 هـ / 744 م - 744 م):
- لم يتمكن من السيطرة على الدولة بسبب ضعف حكمه وتزايد الانقسامات.
14. مروان بن محمد (127 هـ - 132 هـ / 744 م - 750 م):
- آخر خلفاء بني أمية، عُرف بلقب مروان الحمار لصبره وشجاعته.
- سقطت الدولة الأموية في عهده بعد هزيمته في معركة الزَّاب الكبرى عام 132 هـ (750 م) على يد العباسيين.
الحالة الاجتماعية والثقافية في الدولة الأموية: نهضة وتحديات
شهدت الدولة الأموية (41 هـ - 132 هـ / 661 م - 750 م) تطورًا ملحوظًا في الجوانب الاجتماعية والثقافية، حيث أصبحت المدن الإسلامية مراكز حضارية نابضة بالحياة. دمشق، العاصمة الأموية، كانت محور النشاطات الثقافية والاقتصادية، بينما ازدهرت مدن مثل الكوفة والفسطاط كمراكز دينية وعلمية.
1.التطور العمراني والبنية التحتية:
من أبرز سمات العصر الأموي هو الازدهار العمراني. بنيت القصور والمساجد الفخمة التي تعكس القوة والثراء. ومن أهم المعالم التي لا تزال شاهدة على هذا العصر هو المسجد الأموي في دمشق، الذي شيده الوليد بن عبد الملك ليكون رمزًا للمجد الإسلامي، حيث جمع بين الجمال الهندسي والأهمية الدينية. كما اهتم الأمويون بتطوير البنية التحتية، مثل إنشاء الطرق التي ربطت بين مختلف مناطق الدولة، وبناء القناطر لتحسين نظام الري وتسهيل النقل.
2.النهضة الثقافية والعلمية:
تميز العصر الأموي بازدهار العلوم والفنون. كان الشعر العربي في ذروته، إذ دعمت الخلافة الأمويين كبار الشعراء مثل الأخطل وجرير والفرزدق، الذين خلدوا ثقافة العصر بقصائدهم. كما شجع الأمويون حركة الترجمة، حيث نقلت النصوص العلمية والفلسفية من الفارسية واليونانية إلى العربية، مما شكل قاعدة معرفية ساهمت في النهضة العلمية اللاحقة.
3.الحياة الاجتماعية والتوترات الداخلية:
رغم هذا التقدم، واجهت الدولة الأموية تحديات اجتماعية، أبرزها التمييز بين العرب وغير العرب (الموالي). تمتع العرب بامتيازات سياسية واجتماعية، بينما شعر الموالي بالتمييز، مما أدى إلى ظهور حركات معارضة، مثل الثورات الشعبية التي طالبت بالمساواة. ورغم هذه التحديات، ظل العصر الأموي فترة مهمة لتوطيد النظام الإسلامي ونشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية.
الحروب والصراعات في عهد الدولة الأموية
شهدت الدولة الأموية العديد من الحروب والصراعات التي كان لها دور كبير في تشكيل تاريخها، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. وقد خاضت الدولة هذه المعارك لتعزيز نفوذها وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية. ومن أبرز هذه الحروب:
1.معركة صفين (37 هـ - 657 م): وقعت معركة صفين بين جيش الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقوات معاوية بن أبي سفيان، على خلفية الخلاف حول القصاص لمقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه. استمرت المعركة عدة أيام وانتهت بالتحكيم الذي أدى إلى انقسام المسلمين وظهور تيارات جديدة مثل الخوارج. شكّلت هذه المعركة بداية سلسلة من الصراعات الداخلية التي أثّرت على الدولة الأموية لاحقًا.4.معركة بلاط الشهداء (114 هـ - 732 م): قاد هذه المعركة القائد الأموي عبد الرحمن الغافقي ضد قوات الفرنجة بقيادة شارل مارتل. ورغم البطولات الإسلامية، انتهت المعركة بانسحاب الجيش الأموي بعد خسائر كبيرة. تُعد هذه المعركة علامة فارقة في التوسع الإسلامي بأوروبا، إذ توقّف عند حدود فرنسا بعد عقود من الانتصارات المتتالية.
5.الثورات الداخلية الأخرى:إلى جانب التمردات الكبرى، واجهت الدولة الأموية سلسلة من الثورات في العراق وخراسان، حيث ثار الحارث بن سريج في خراسان (116 هـ - 734 م) ضد سياسات الأمويين، وشكّلت هذه الثورة تحديًا كبيرًا قبل أن يتم القضاء عليها.
فترات القوة في عهد الدولة الأموية: التوسع والازدهار الحضاري
بلغت الدولة الأموية أوج قوتها خلال حكم الخليفة الوليد بن عبد الملك (86 هـ - 96 هـ / 705 م - 715 م)، حيث شهدت هذه الفترة توسعًا هائلًا في الفتوحات الإسلامية وازدهارًا غير مسبوق في العمران والحضارة. كانت سياسة الوليد تعتمد على تعزيز الاستقرار الداخلي والدفع بجهود التوسع العسكري الخارجي.
- التوسع الجغرافي الكبير: في عهد الوليد بن عبد الملك، بلغت الدولة الأموية أقصى حدودها، حيث امتدت أراضيها من حدود الصين شرقًا إلى فرنسا غربًا. قاد القائد طارق بن زياد حملة فتح الأندلس (92 هـ - 711 م)، فيما استكمل القائد محمد بن القاسم الثقفي فتح السند والمناطق المجاورة لها (93 هـ - 712 م). هذه الفتوحات ساعدت في ترسيخ قوة الدولة الإسلامية وجعلها واحدة من أعظم الإمبراطوريات في العالم.
- النهضة العمرانية: كان عهد الوليد متميزًا بإنجازات معمارية كبيرة. يعتبر الجامع الأموي في دمشق (انتهى بناؤه عام 96 هـ - 715 م) من أبرز هذه الإنجازات، حيث يجسد روعة الفن الإسلامي. كما أُنشئت شبكة طرق واسعة واهتم الوليد بن عبد الملك ببناء المستشفيات والمدارس، ما عزز ازدهار المجتمع الأموي.
- الاستقرار الداخلي: ساهم الوليد بن عبد الملك في تحقيق استقرار داخلي من خلال تعزيز البنية الإدارية والعسكرية للدولة. كان يولي اهتمامًا كبيرًا بتحسين أوضاع الجيش الأموي، وهو ما ساعد في نجاح الفتوحات وتثبيت السيطرة على الأراضي الشاسعة.
فترات الضعف في الدولة الأموية: بداية النهاية
بدأت مظاهر الضعف تظهر في الدولة الأموية في أواخر عهد الخليفة هشام بن عبد الملك (105 هـ - 125 هـ / 724 م - 743 م)، رغم الجهود الكبيرة التي بذلها للحفاظ على استقرار الدولة. كان هشام حاكمًا إداريًا قويًا، لكنه واجه تحديات كبيرة، سواء من الداخل أو الخارج.
- التمردات الداخلية: برزت التمردات في خراسان والعراق كأحد أبرز عوامل ضعف الدولة الأموية. من أبرز هذه التمردات ثورة الحارث بن سريج في خراسان (116 هـ - 734 م)، التي كانت احتجاجًا على السياسات الجائرة تجاه الموالي (غير العرب). هذه الثورات أضعفت الولاء للدولة وأثّرت على قوتها العسكرية.
- الصراعات الاجتماعية: زادت التوترات بين العرب والموالي، رغم محاولات الخليفة عمر بن عبد العزيز لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إصلاحاته الشهيرة. ومع ذلك، استمرت هذه التوترات وازدادت حدتها، مما أثّر سلبًا على وحدة المجتمع الأموي.
- ظهور العباسيين كقوة منافسة: في أواخر عهد هشام بن عبد الملك، تصاعدت قوة العباسيين في خراسان بقيادة أبو مسلم الخراساني، حيث بدأوا في حشد الدعم من مختلف الطبقات الاجتماعية، خاصة الموالي الذين شعروا بالتهميش في ظل الحكم الأموي.
- التدهور العسكري: في الجبهة العسكرية، تكبّدت الدولة هزائم كبيرة مثل معركة بلاط الشهداء، التي أضعفت سمعة الجيش الأموي وأثرت على هيبته في الغرب.
نهاية الدولة الأموية: سقوط الخلافة وبداية العصر العباسي
بدأت نهاية الدولة الأموية مع تصاعد التمردات الداخلية وظهور الدعوة العباسية، التي استغلت التوترات الاجتماعية والاقتصادية لإسقاط الحكم الأموي. انطلقت الدعوة العباسية سرًا من خراسان (شمال شرق إيران حاليًا)، حيث تمكن العباسيون بقيادة أبو مسلم الخراساني من كسب دعم القبائل والعشائر الساخطة على سياسات الأمويين. وفي العام 132 هـ / 750 م، قاد العباسيون ثورة شاملة انتهت بانتصارهم على آخر الخلفاء الأمويين، مروان بن محمد، في معركة الزاب الكبرى.
وقعت المعركة المصيرية بالقرب من نهر الزاب الكبير في العراق، حيث تكبّد الجيش الأموي هزيمة ساحقة، ما أدى إلى سقوط دمشق، عاصمة الخلافة الأموية، وانتقال العباسيين إلى تأسيس دولتهم في بغداد. سعى العباسيون إلى القضاء على جميع أفراد الأسرة الأموية لضمان عدم عودة الحكم الأموي، لكن الأمير عبد الرحمن الداخل (عبد الرحمن بن معاوية) تمكن من الهرب إلى الأندلس، حيث أسس إمارة أموية مستقلة في العام 138 هـ / 756 م. استمرت هذه الإمارة لقرون وشكلت مركزًا حضاريًا مهمًا في الغرب الإسلامي.
مصادر تاريخية موثوقة عن الدولة الأموية
للباحثين والمهتمين بتاريخ الدولة الأموية، نقدم هنا أربعة من أبرز المصادر التاريخية التي توثق هذه الحقبة الهامة:
- كتاب تاريخ الرسل والملوك (الطبري): من تأليف الإمام محمد بن جرير الطبري، يعتبر هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا في التاريخ الإسلامي، حيث يقدم تفاصيل دقيقة عن الأحداث السياسية والعسكرية خلال فترة الدولة الأموية.
- الكامل في التاريخ (ابن الأثير): من أبرز كتب التاريخ الإسلامي، يروي المؤرخ ابن الأثير الأحداث بشكل شامل، مع التركيز على الحروب والفتوحات التي شهدتها الدولة الأموية.
- البداية والنهاية (ابن كثير): يقدم الإمام ابن كثير نظرة تحليلية لأحداث الدولة الأموية، مع ربطها بالتحولات السياسية والدينية التي أثرت على الأمة الإسلامية.
- فتوح البلدان (البلاذري): يتناول أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه التوسع الجغرافي للدولة الأموية وفتوحاتها في مختلف القارات، مع التركيز على تفاصيل دقيقة حول كيفية إدارة المناطق المفتوحة.
الخاتمة
كانت الدولة الأموية بلا شك مرحلة حاسمة في التاريخ الإسلامي، حيث شهدت توسعًا جغرافيًا هائلًا امتد عبر ثلاث قارات، وحققت تطورًا حضاريًا ونموًا اقتصاديًا أذهل العالم. رغم التحديات والصراعات الداخلية، تركت هذه الدولة بصمة دائمة على العالم الإسلامي، من معاوية بن أبي سفيان، الذي وضع أسس الحكم الأموي، إلى مروان بن محمد، آخر الخلفاء الذين خاضوا معارك شرسة للحفاظ على سلطتهم.
مثّلت الدولة الأموية رمزًا للقوة والإنجازات العظيمة، لكنها أيضًا تذكير تاريخي بأهمية التوازن والعدل في الحكم للحفاظ على الاستقرار والنمو. إنها قصة مليئة بالدروس المستفادة التي لا تزال تلهمنا حتى يومنا هذا، حيث كانت فتوحاتها العظيمة وانتصاراتها المشرفة علامة بارزة في التاريخ الإسلامي.
شاركنا رأيك في التعليقات:
- ما رأيك في دور الدولة الأموية في توحيد العالم الإسلامي وتوسيع حدوده؟
- هل ترى أن التحول إلى نظام الحكم الوراثي كان مفيدًا أم ضارًا للدولة الإسلامية؟
- ما هي أبرز التحديات التي واجهتها الدولة الأموية والتي أثرت على استقرارها؟
- هل تعتقد أن الدولة الأموية كانت قادرة على الاستمرار لفترة أطول لو عالجت الصراعات الداخلية بشكل أفضل؟
شكرًا لزيارتك مدونتي!
أحب أن أسمع أفكارك وآراءك حول ما تقرأه هنا. يرجى ترك تعليقك أدناه وإخباري برأيك في المقالة. تعليقاتك ذات قيمة بالنسبة لي وتساعد في تحسين المحتوى الذي أقدمه.
ملاحظة:
يرجى تجنب استخدام اللغة الغير اللائقة.
سيتم إزالة التعليقات التي تحتوي على روابط غير مرغوب فيها أو لغة مسيئة.
شكرًا لوقتك وأتطلع لقراءة تعليقاتك!