الدولة المملوكية: كيف هزمت التتار وسقطت أمام العثمانيين؟

الدولة المملوكية تعد واحدة من أعظم الدول الإسلامية التي حكمت مصر والشام لما يقارب ثلاثة قرون (648هـ/1250م - 923هـ/1517م). تميّزت بقوتها العسكرية الفائقة ودورها في التصدي لأكبر التهديدات الخارجية التي واجهت العالم الإسلامي، مثل المغول والتتار والصليبيين. وفي هذا المقال سنستعرض نشأة الدولة المملوكية، وأبرز حكامها الأقوياء، وأهم المعارك التي خاضتها، بالإضافة إلى تأثيرها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مع مقارنة مع الدول المعاصرة لها كالدولة العثمانية والمغولية.


العمارة فة عهد المماليك
الدولة المملوكية

 نشأة الدولة المملوكية

1. خلفية تاريخية

ظهرت الدولة المملوكية في فترة كانت منطقة الشرق الأوسط تعاني من اضطرابات شديدة بسبب تراجع الدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي، وتصاعد التهديدات الخارجية مثل الغزو المغولي والتتري. في هذا السياق التاريخي، بزغ دور المماليك الذين تم استقدامهم كعبيد محاربين، ليصبحوا القوة الحاكمة الجديدة. تميز المماليك بقدراتهم القتالية العالية، واستخدموا في حماية مصر والشام من الأعداء الخارجيين، لتبدأ بذلك مسيرتهم نحو تأسيس دولتهم.

2. تأسيس الدولة

بدأ تأسيس الدولة المملوكية فعليًا في عام 648هـ/1250م عندما اعتلى عز الدين أيبك الحكم بعد تنازل شجر الدر، ليكون أول حاكم مملوكي. تمكن عز الدين أيبك من توحيد الجيش المملوكي وتنظيمه ليصبح القوة العسكرية الرئيسية في المنطقة، ما جعل الدولة المملوكية تبرز كقوة إقليمية كبرى بعد أن استطاع المماليك صد هجمات التتار والمغول.


 حكام الدولة المملوكية

تميزت الدولة المملوكية بمجموعة من الحكام الأقوياء الذين قادوا الدولة نحو الازدهار والاستقرار. سنسلط الضوء على أبرز 20 حاكمًا مملوكيًا ممن تركوا بصمة كبيرة في تاريخ الدولة الإسلامي.

1. عز الدين أيبك (648-655هـ / 1250-1257م)  

بعد مقتل سلطان الدولة الايوبية السلطان توران شاه اصبح عز الدين أيبك  أول سلطان مملوكي ، عمل على تعزيز الجيش وتنظيم السلطة المركزية في الدولة المملوكية. ساهم في استقرار الدولة بعد فترة من الفوضى، وهو الذي وضع الأسس العسكرية والإدارية التي استمرت طوال حكم الدولة.


2. سيف الدين قطز (657-658هـ / 1259-1260م)  

سيف الدين قطز هو القائد الذي أوقف زحف التتار في معركة عين جالوت. رغم حكمه القصير، إلا أن قطز يعتبر أحد أبرز الشخصيات العسكرية في تاريخ الإسلام، حيث استطاع تحقيق انتصار حاسم ضد التتار، مما أنقذ المنطقة من الدمار.


3. الظاهر بيبرس (658-676هـ / 1260-1277م)  

الظاهر بيبرس هو واحد من أعظم السلاطين في التاريخ المملوكي. قاد الدولة نحو ازدهار عسكري وسياسي هائل. من أهم إنجازاته تعزيز الأمن الداخلي ومواصلة الصراع ضد الصليبيين والمغول، بالإضافة إلى تأسيس نظام إداري قوي.


4. المنصور قلاوون (678-689هـ / 1279-1290م)  

المنصور قلاوون لعب دورًا هامًا في إعادة الاستقرار إلى الدولة بعد فترة من الاضطرابات. كان من أعظم السلاطين الذين وقفوا ضد المغول، حيث دافع عن أراضي الدولة بصلابة ووسع نفوذها على الشام.


5. الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون (689-693هـ / 1290-1293م)  

الأشرف خليل هو الذي قاد حملة ناجحة ضد الصليبيين واستطاع تحرير عكا عام 1291م، ما أدى إلى إنهاء الوجود الصليبي في بلاد الشام.


6.الناصر محمد بن قلاوون (حكم من 693-741هـ / 1293-1341م)  

يعد الناصر محمد بن قلاوون من أبرز السلاطين المماليك، وحكم لفترة طويلة على ثلاث فترات من الحكم وفى الفترة الأخيرة جعلت عهده أحد أكثر الفترات استقرارًا في تاريخ الدولة. اهتم بالتنمية الداخلية ونظم الجيش بشكل رائع، مما جعله واحدًا من أعظم القادة في تاريخ الدولة المملوكية.


7. الملك الصالح عماد الدين إسماعيل (742-746هـ / 1342-1345م)  

الملك الصالح عماد الدين إسماعيل لعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على الاستقرار العسكري والإداري للدولة المملوكية. كانت فترته تتسم ببعض التحديات والصراعات الكبيرة بين الامراء وبين اخية الاشرف شعبان ، حتى ان فترة حكمة لم تدوم لاكثر من ثلاث سنوات.


8.الملك الكامل سيف الدين شعبان بن محمد بن قلاوون (746-748 هـ  / 1345-1347 م)

تولى الملك الكامل شعبان الحكم في عام 746 هـ (1345 م) بعد عزل الملك الصالح عماد الدين إسماعيل، الذي كان حكمه قصير الأمد. جاء تولي شعبان في فترة حساسة، حيث كانت الدولة تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. كانت فترة حكمه بداية لمرحلة جديدة، كان عليه أن يتعامل مع العديد من الأزمات والتحديات التي أثرت على البلاد.


9. الناصر حسن (748-762هـ / 1347-1361م)  

الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون قام بإصلاحات كبيرة في الجيش والدولة. هو الذي بنى مسجد السلطان حسن، الذي يعتبر واحدًا من أجمل وأعظم المعالم الأثرية في العالم الإسلامي.


10. الأشرف زين الدين شعبان (764-778هـ / 1363-1377م)  

رغم قصر فترة حكم الأشرف شعبان، إلا أنه استمر في تعزيز القوة الداخلية للدولة وتنظيم الجيش. تعرض لفترات من التمردات الداخلية، لكنه تمكّن من التصدي لها.


11. الظاهر برقوق (حكم من 784-791هـ / 1382-1389م، واستعاد الحكم في 792-801هـ / 1390-1399م)  

الظاهر برقوق هو مؤسس المماليك البرجية، الذين حلّوا محل المماليك البحرية في السيطرة على الحكم. تمكن برقوق من إعادة الاستقرار للدولة بعد فترة من الفوضى، وكان من أعظم الإصلاحيين في عهد المماليك.


12. الناصر فرج بن برقوق (801-815هـ / 1399-1412م)  

الناصر فرج تولى الحكم في فترة صعبة حيث شهدت الدولة اضطرابات داخلية وتهديدات خارجية، إلا أنه استطاع الحفاظ على وحدة الدولة المملوكية.


13. المؤيد شيخ (816-824هـ / 1413-1421م)  

المؤيد شيخ ساهم في استعادة الاستقرار الداخلي للدولة وقام بإصلاحات مهمة في الجيش والنظام الإداري، مما ساهم في تقوية الدولة بعد فترة من الاضطراب.


14. الظاهر ططر (825-826هـ / 1421-1422م)  

الظاهر ططر حكم لفترة قصيرة ولكنه تمكن من تحقيق استقرار نسبي في الدولة من خلال تحسين النظام العسكري والإداري.


14. الأشرف برسباي (826-841هـ / 1423-1438م)  

الأشرف برسباي كان من أبرز السلاطين المماليك في السيطرة على البحر الأبيض المتوسط، خاصة بعد حملته الناجحة ضد قبرص. عزز من هيمنة القاهرة على التجارة العالمية من خلال احتكار تجارة التوابل.


15. الظاهر جقمق (847-857هـ / 1443-1453م)  

الظاهر جقمق ساهم في تحقيق الاستقرار الداخلي للدولة بعد فترات من الأزمات، وأثبت قدرته على التصدي للتحديات الاقتصادية والسياسية.


16. الظاهر خشقدم (865-872هـ / 1461-1467م)  

الظاهر خشقدم ركز على تعزيز الانضباط العسكري للدولة وواجه تحديات خارجية صعبة. تميزت فترة حكمه بالتركيز على حماية حدود الدولة من التهديدات الخارجية.


17. الظاهر تمربغا (872-873هـ / 1467-1468م)  

الظاهر تمربغا رغم قصر فترة حكمه، إلا أنه حاول الحفاظ على استقرار الدولة في وجه التحديات الداخلية والخارجية.


18. الظاهر سيف الدين قايتباي (873-901هـ / 1468-1496م)  

يعد الظاهر قايتباي واحدًا من أقوى السلاطين في تاريخ الدولة المملوكية. استمر في حكمه لأكثر من 28 عامًا قام خلالها بإصلاحات عسكرية هامة وساهم في استقرار الدولة من خلال بناء القلاع والتحصينات.


19. الظاهر قانصوه الغوري (906-922هـ / 1501-1516م)  

الظاهر قانصوه الغوري كان آخر حكام المماليك الأقوياء. قاد معركة مرج دابق ضد العثمانيين في عام 1516م، والتي كانت هزيمته فيها بداية نهاية الدولة المملوكية.


20. السلطان الأشرف طومان باي (922-923هـ / 1516-1517م)  

الأشرف طومان باي كان آخر سلاطين المماليك، حيث قاد المقاومة ضد العثمانيين في معركة الريدانية ولكنه فشل في مواجهة الجيش العثماني المتفوق، مما أدى إلى إعدامه وسقوط الدولة المملوكية.


 الحروب والمعارك الكبرى في تاريخ الدولة المملوكية

1. معركة عين جالوت (658هـ/1260م):


تُعد معركة عين جالوت من أهم المعارك في تاريخ العالم الإسلامي. وقعت هذه المعركة بين المماليك والتتار، الذين كان يُعتبرون أكبر تهديد للعالم الإسلامي في ذلك الوقت. بقيادة السلطان سيف الدين قطز، تمكن الجيش المملوكي من تحقيق انتصار ساحق على جيوش التتار، ليوقف بذلك تقدمهم المدمر نحو مصر والشام. تُعد هذه المعركة انتصارًا عظيمًا للدولة المملوكية، حيث ساهمت في تعزيز مكانتها كحامية للعالم الإسلامي. كما أن هذا الانتصار أظهر للعالم الإسلامي أن المماليك قادرون على الوقوف في وجه أعظم القوى في ذلك الوقت، بما في ذلك المغول الذين كانوا يمثلون قوة لا تقهر.


2. معركة حمص الثانية (680هـ/1281م)

قاد السلطان قلاوون معركة حمص الثانية ضد المغول، حيث نجح في تحقيق انتصار حاسم ساهم في تعزيز السيطرة المملوكية على الشام. يُعد هذا الانتصار تأكيدًا على قدرة المماليك في الحفاظ على استقرار المنطقة في وجه التهديدات الخارجية المتكررة.


3. معركة شقحب (702هـ/1303م):



خاض السلطان الناصر محمد بن قلاوون معركة شقحب ضد المغول في عام 702هـ/1303م، حيث استطاع المماليك تحقيق انتصار آخر ضد المغول وابادتهم ، مما ساعد في الحفاظ على استقرار الدولة المملوكية.


4. الحملة على قبرص (829هـ/1426م)

قاد السلطان الأشرف برسباي حملة ناجحة ضد قبرص في عام 829هـ/1426م، واستطاع ضمها إلى نفوذ الدولة المملوكية. هذه الحملة تعززت من خلالها القوة البحرية المملوكية، وأصبحت القاهرة مركزًا رئيسيًا في التجارة الدولية.


5. معركة مرج دابق (922هـ/1516م)

وقعت معركة مرج دابق بين المماليك والعثمانيين عام 1516م. انتهت المعركة بهزيمة ساحقة للمماليك، حيث قاد السلطان قانصوه الغوري الجيش المملوكي في مواجهة العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول، ولكن الجيش العثماني كان متفوقًا بفضل المدفعية والتنظيم العسكري الحديث.


6. معركة الريدانية (923هـ/1517م):



تُعتبر معركة الريدانية المعركة النهائية التي خاضها المماليك ضد العثمانيين في عام 1517م. انتهت هذه المعركة بسقوط القاهرة في يد العثمانيين وإعدام الأشرف طومان باي، وبذلك انتهت حقبة المماليك.


 الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الدولة المملوكية

1_ الاقتصاد : 

اعتمدت الدولة المملوكية على التجارة بشكل كبير، حيث استفادت من موقعها الجغرافي بين آسيا وأوروبا. كانت القاهرة مركزًا تجاريًا عالميًا، واستفاد السلاطين من فرض الضرائب على البضائع القادمة من أوروبا والهند. كما أن تجارة التوابل، التي احتكرها بعض السلاطين مثل الأشرف برسباي، عززت الثروة الاقتصادية للدولة.


2_ الحياة الاجتماعية :

 تميز المجتمع المملوكي بتنوعه، حيث عاش في مصر والشام العديد من الشعوب والجنسيات. كانت الطبقات الاجتماعية تتفاوت بين الطبقة الحاكمة المملوكية، وطبقة التجار والحرفيين، والفلاحين. ورغم هذا التنوع، كانت هناك تمايزات طبقية واضحة.


 الحياة الثقافية والحضارية في الدولة المملوكية


1. العمارة والفنون:


شهدت العمارة المملوكية ازدهارًا كبيرًا. أبرز معالمها مسجد السلطان حسن، الذي يُعتبر مثالًا رائعًا للعمارة الإسلامية. أيضًا، كانت الزخارف والنقوش الفنية المملوكية تعبر عن طابع فني مميز يجمع بين التأثيرات التركية والفارسية.


2. العلوم والتعليم:

 ازدهرت العلوم والتعليم في العصر المملوكي، حيث بُنيت العديد من المدارس والمكتبات. كان للقاهرة دور محوري في نشر العلم في العالم الإسلامي، حيث أصبحت مركزًا للفكر الإسلامي والدراسات الدينية.


 سقوط الدولة المملوكية

1. الأسباب الداخلية: تدهور الأوضاع الداخلية للدولة المملوكية كان أحد أهم أسباب انهيارها. انتشار الفساد والصراعات بين السلاطين، وتراجع الأداء الإداري والعسكري أدى إلى إضعاف الدولة تدريجيًا.

2. الأسباب الخارجية: كان التهديد العثماني عاملًا رئيسيًا في سقوط الدولة. استطاع العثمانيون، بتفوقهم العسكري وتقنياتهم الحديثة مثل استخدام المدفعية، هزيمة المماليك في معارك مثل مرج دابق والريدانية، مما أدى إلى انهيار الدولة.

3. نهاية الدولة: بعد معركة الريدانية وسقوط القاهرة في يد العثمانيين، انتهت الدولة المملوكية بشكل رسمي. أُعدم آخر سلطان مملوكي، طومان باي، على يد العثمانيين، ليبدأ عهد جديد تحت الحكم العثماني.


وفى الختام 

على مدار ثلاثة قرون، كانت الدولة المملوكية قوة رئيسية في العالم الإسلامي. قاد حكامها المعارك الكبرى ضد التتار والمغول والصليبيين، وأسهموا في حماية العالم الإسلامي من التهديدات الخارجية. في الوقت ذاته، أسهموا في ازدهار القاهرة كمركز تجاري وعلمي، وتركت الدولة بصمتها في العمارة، الفنون، والعلوم.




عصور ذهبية
عصور ذهبية
تعليقات