"مروان بن محمد: قصة الخليفة الأخير للدولة الأموية التى سقطت أمام العباسيين"


ما هي العوامل التي قادت الدولة الأموية، التي امتدت عبر ثلاث قارات وشملت أقاليم شاسعة، إلى السقوط المفاجئ؟ وكيف لعب مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، دورًا مركزيًا في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ الإسلام؟ هل كان هذا الخليفة القوي ضحية للفوضى الداخلية والفتن القبلية التي اجتاحت الدولة، أم أن القوة الصاعدة للعباسيين هي التي أطاحت به وبإرث عائلته العريق؟ في هذا المقال، نستعرض حياة مروان بن محمد بكل تفاصيلها، من نشأته في بيت الحكم إلى مواجهاته المصيرية التي حددت مصير واحدة من أعظم الدول في التاريخ الإسلامي.


مروان بن محمد أخر خلفاء الدولة الأموية
مروان بن محمد


النشأة المبكرة: الولادة في ظل عائلة الحكم (72 هـ / 692م)

هو أبو عبد الملك مروان الثانى بن محمد بن مروان الأول بن الحكم الملقب بالحمار وُلد في عام 72 هـ / 692م، في المدينة المنورة. ينتمي إلى البيت الأموي، فهو حفيد الخليفة مروان بن الحكم. نشأ في كنف عائلة متمرسة في السياسة والحكم، مما جعله يتلقى تعليمًا وتدريبًا عسكريًا صارمًا منذ صغره. تميز مروان بشخصية قيادية وكاريزما قوية، وهو ما أهله ليكون أحد أبرز القادة العسكريين في عهد الدولة الأموية.

البيئة القبلية والصراعات السياسية: منذ نشأته، تأثر مروان بن محمد بالصراعات القبلية والسياسية التي كانت تواجه الدولة الأموية، خاصة بين القبائل العربية الكبيرة مثل القبائل اليمنية والقبائل القيسية. هذه النزاعات ستكون لها آثار واضحة في مسيرته المستقبلية كقائد عسكري ثم كخليفة.

 • التدريب العسكري المبكر: حصل مروان على تدريبه العسكري على يد أمهر قادة الجيش الأموي، وقد أتقن فنون القتال والحرب، مما أهله لتولي مناصب قيادية في مراحل مبكرة من حياته. كان معروفًا بالشجاعة والبراعة في ساحة المعركة، وقد أشاد به خلفاء بني أمية وخاصة الخليفة هشام بن عبد الملك الذي وثق بقدراته القيادية.


الولاية على أرمينيا وأذربيجان: بداية الصعود 

في عام 114 هـ / 733م،عزل الخليفة هشام بن عبد الملك اخيه مسلمة بن عبد الملك وعيّن مروان بن محمد واليًا على ولايتي أرمينيا وأذربيجان. كانت هذه الولايتان من المناطق الحيوية والاستراتيجية في الدولة الأموية، حيث شكلتا الحدود الشمالية للإمبراطورية. وقد أثبت مروان خلال فترة ولايته كفاءته القيادية، لا سيما في مواجهة التهديدات المستمرة من البيزنطيين والخزر.

الحملات ضد الخزر: في عام 119 هـ / 737م، قاد مروان حملة عسكرية كبرى ضد الخزر، وهي واحدة من أهم إنجازاته العسكرية. كانت هذه القبيلة تشكل تهديدًا مستمرًا للدولة الأموية، واستطاع مروان تحقيق انتصار كبير على الخزر بعد توغل عميق في أراضيهم، بل ووصل إلى عاصمتهم، محققًا نصرًا عسكريًا أذهل خصومه.

 • السيطرة على الحدود الشمالية: إلى جانب نجاحه ضد الخزر، قام مروان بن محمد بتحصين الحدود الشمالية للدولة الأموية ضد أي تهديدات مستقبلية من الإمبراطورية البيزنطية، مما عزز مكانته كقائد عسكري لا يُقهر. وقد نال في هذه الفترة لقب "مروان الحمار"، إشارة إلى قوته وصبره في مواجهة التحديات.


الاضطرابات السياسية بعد وفاة هشام بن عبد الملك 

بعد وفاة الخليفة هشام بن عبد الملك في عام 125 هـ / 743م، دخلت الدولة الأموية في دوامة من الفوضى السياسية. تولى الخلافة عدد من الخلفاء الضعفاء الذين فشلوا في السيطرة على الوضع الداخلي، مثل الوليد بن يزيد الثانى ويزيد الثالث بن الوليد الأول. خلال هذه الفترة المضطربة، حاول مروان الحفاظ على تماسك الدولة الأموية من خلال توظيف قدراته العسكرية والسياسية.

 • الصراعات القبلية وتأثيرها على الدولة:

كانت الخلافات القبلية بين القبائل القيسية والقبائل اليمنية تعصف بالدولة الأموية من الداخل. وعلى الرغم من أن مروان بن محمد حاول البقاء بعيدًا عن الصراعات المباشرة في البداية، إلا أنه أدرك أن إعادة توحيد الدولة يتطلب حسم هذه الفتن القبلية.

 • تولي محمد بن مروان الخلافة: في عام 127 هـ / 744م، وبعد أن فشلت الخلافة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، تولى مروان بن محمد الخلافة. كانت مهمته الأولى هي استعادة الاستقرار والقضاء على التمردات المتعددة التي كانت تهدد وحدة الدولة.



التصدي للفتن القبلية: صراعات أهل الغوطة وتدمر 

بعد توليه الخلافة، واجه مروان تحديات داخلية كبيرة، خاصة النزاعات بين أهل الغوطة وأهل تدمر، وهي جزء من الصراع الأكبر بين القبائل القيسية واليمنية. كانت هذه النزاعات تعيق استقرار الدولة وتستهلك مواردها.

1.الانقسام القبلي فى خلافة مروان بن محمد: 

تعود جذور هذه الصراعات إلى الفتن الداخلية التي ضربت الدولة الأموية لسنوات عديدة. كانت أهل الغوطة ينتمون إلى القبائل اليمنية، بينما كان أهل تدمر جزءًا من القبائل القيسية، وهذا الانقسام العميق زاد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري.

2.إخماد التمردات فى عهد مروان بن محمد:

 لم يكن أمام مروان خيار سوى التدخل العسكري المباشر لحل هذه الفتن. قام بحملة عسكرية على تدمر وتمكن من إخضاع أهلها بالقوة كانت هذه العملية العسكرية جزءًا من خطته الأوسع لإعادة الاستقرار إلى الدولة الأموية.

3.فتح تدمر والسيطرة على الأقاليم المتمردة :

بعد نجاحه في استعادة السيطرة على تدمر، قرر مروان توسيع نطاق حملاته العسكرية لاستعادة السيطرة على الأقاليم المتمردة. كان فتح تدمر انتصارًا رمزيًا مهمًا، حيث أظهر قدرته على فرض النظام واستعادة السيطرة بالقوة إذا لزم الأمر.

 • أهمية تدمر الاستراتيجية: كانت تدمر مدينة ذات موقع استراتيجي هام في وسط الشام، والسيطرة عليها كانت ضرورية لضمان استقرار المنطقة. تمكن مروان من إعادة السيطرة عليها بفضل حنكته العسكرية وقدرته على قيادة الجيوش بكفاءة.

التأكيد على الحكم المركزي: من خلال فتح تدمر، سعى مروان إلى إرسال رسالة قوية لبقية الأقاليم المتمردة: أن الدولة الأموية لا تزال قادرة على الحفاظ على سيطرتها بالقوة إذا لزم الأمر.


الصراع مع العباسيين: بداية التهديد الجدي 

بحلول عام 128 هـ / 746م، بدأ التهديد العباسي يظهر بقوة على الساحة. كان العباسيون يجمعون الدعم الشعبي في مناطق مثل خراسان تحت قيادة الزعيم العسكري أبو مسلم الخراساني، ويشكلون خطرًا كبيرًا على الدولة الأموية.

 • التحالف العباسي في خراسان: بدأ العباسيون في تنظيم صفوفهم وتشكيل تحالف قوي مع قوى داخلية وخارجية. بفضل أبو مسلم الخراساني، استطاع العباسيون السيطرة على أجزاء واسعة من خراسان، وجذبوا تأييد القبائل العربية وغير العربية على حد سواء.

 • مواجهة مروان للعباسيين: على الرغم من نجاحه في بعض المعارك، إلا أن مروان لم يتمكن من كبح جماح الثورة العباسية. كانت قوة العباسيين المتزايدة تهدد وجود الدولة الأموية، خاصة في المناطق الشرقية التي كانت تحت سيطرة العباسيين بشكل متزايد.


معركة الزاب الكبرى:سقوط الدولة الأموية وصعود الدولة العباسية

وقعت معركة الزاب الكبرى في 11 جمادى الآخرة عام 132 هـ، الموافق 25 يناير 750 م، بين جيوش الخلافة الأموية بقيادة الخليفة مروان بن محمد والجيش العباسي بقيادة عبد الله بن علي. هذه المعركة كانت نقطة التحول الحاسمة التي أدت إلى سقوط الدولة الأموية بعد ما يقارب قرن من السيطرة، وقيام الدولة العباسية.

1. بداية المعركة: بدأت الأحداث عندما قرر العباسيون، بقيادة عبد الله بن علي، التحرك نحو العراق لتحدي سلطة الأمويين. مروان بن محمد، الخليفة الأموي، جمع قواته لمواجهتهم عند نهر الزاب الكبير، في منطقة قريبة من الموصل.

2. تجهيز القوات: عبد الله بن علي وهو عم أبو عباس السفاح مؤسس الدولة العباسية كان قد أعد جيشًا قويًا ومتنوعًا، متحالفًا مع الفئات الغاضبة من الأمويين، خاصة الفرس وغير العرب. في المقابل، اعتمد مروان بن محمد على قواته التقليدية المكونة من العرب الأمويين وبعض الموالي.


أبو عباس السفاح مؤسس الدولة العباسية
أبو عباس السفاح 

3. بدء المعركة: في صباح اليوم المحدد، بدأت المعركة بهجوم مفاجئ من الجيش العباسي. رغم شجاعة الأمويين، إلا أن تكتيكات العباسيين ونفوذهم على بعض القبائل أثرت بشكل كبير. الجيش العباسي استخدم أسلوبًا محكمًا بالاعتماد على الهجمات المتقطعة والتفوق العددي.

4. انهيار الجيش الأموي: مع تقدم المعركة، بدأت صفوف الجيش الأموي تتفكك، خاصة بعد أن تعرضت قواته الرئيسية لضربات متتالية. عند هذه المرحلة، قرر مروان بن محمد الانسحاب، لكنه لم يتمكن من استعادة تماسك قواته.

5. نتائج المعركة: بعد انهيار الجيش الأموي، تمكن العباسيون من إحراز نصر حاسم. مروان بن محمد فر نحو مصر، حيث تم تعقبه وقتله، ما أدى إلى نهاية الخلافة الأموية وبدء عهد جديد تحت راية العباسيين.

كانت معركة الزاب الكبرى أكثر من مجرد صراع عسكري؛ فقد مثلت بداية عصر جديد في العالم الإسلامي، حيث شهدت نهاية حكم الأمويين وبداية الدولة العباسية التي حكمت لعقود طويلة.


النهاية الدرامية: مقتله في بوصير(132 هـ / 750م)

بعد الهزيمة في معركة الزاب، حاول مروان اللجوء إلى مصر لتنظيم مقاومة أخيرة، لكنه لم يستطع الصمود أمام العباسيين. في قرية تابعه لبوصير، لحق به الجيش العباسي وتم قتله في عام 132 هـ / 750م، لتنتهي بذلك حقبة الدولة الأموية بشكل كامل. بمقتل مروان بن محمد، انتهت الدولة الأموية التي حكمت العالم الإسلامي لأكثر من 90 عامًا.


في ختام هذه الرحلة التاريخية

 يتضح أن مروان بن محمد لم يكن مجرد خليفة في زمنٍ عاصف، بل كان رمزًا للحقبة الأخيرة من الدولة الأموية التي شهدت تحولات جذرية في العالم الإسلامي. فرغم الصراعات الداخلية والنزاعات القبلية التي واجهها، ورغم التحديات القاسية التي فرضتها القوة الناشئة للعباسيين، سعى مروان جاهدًا للحفاظ على ما تبقى من إرث أسرته. إن نهاية مروان بن محمد، الذي قُتل في بوصير، تعكس كيف يمكن لطموحات الأفراد وصراعات القوى أن تضع نهاية لعصور طويلة من الحكم. تظل قصته درسًا تاريخيًا يسلط الضوء على تعقيدات السياسة، والقيادة، والمقاومة في عالم متغير. هل سيكون مصير الخلفاء والملوك في المستقبل مماثلًا، أم أن الدروس المستفادة من التاريخ ستظل حاضرة في الأذهان لتجنب الوقوع في الأخطاء نفسها؟

مقالات ذات صلة

عصور ذهبية
عصور ذهبية
تعليقات