السلطان بايزيد الثاني، الذي حكم الدولة العثمانية بين عامي 1481 و1512م، يُعتبر أحد أكثر السلاطين تأثيرًا في تاريخ الإمبراطورية. تميّز عهده بترسيخ الاستقرار الداخلي، وتركيزه على التنمية الاقتصادية والسياسية، فضلًا عن جهوده في تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع أوروبا. عُرف بايزيد بلقب "السلطان العادل"، حيث كان يسعى دائمًا لتحقيق التوازن بين القوة العسكرية والسياسة الحكيمة.
ومع ذلك، لم يخلو عهده من التحديات، مثل التهديد البيزنطى والتهديد الصفوي في الشرق، وتمردات داخلية أبرزها ثورة الإنكشارية، والصراع العثماني المملوكي ،وسقوط الأندلس فى عهدة. كان السلطان قادرًا على احتواء الأزمات لفترة طويلة، لكنه واجه صراعات داخلية شديدة بين أبنائه على الحكم في أواخر عهده، مما شكّل نقطة تحول كبيرة في مسار الدولة العثمانية.
إن عهده كان مرحلة انتقالية مهمة بين عصر الفتوحات المكثفة وعصر الإصلاحات السياسية والإدارية، مما يجعله شخصية محورية تستحق التأمل والدراسة.
السلطان بايزيد الثانى |
مولد السلطان بايزيد الثاني ونشأته
وُلد السلطان بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن المؤسس عثمان في يوم 3 ديسمبر 1447 ميلاديًا، الموافق 8 جمادى الآخرة 851 هجريًا، في مدينة ديموتيقة بمنطقة الروملي التابعة للدولة العثمانية. هذه المنطقة كانت تتمتع بمكانة استراتيجية في قلب البلقان، مما جعلها مركزًا مهمًا للإدارة العثمانية في ذلك الوقت.
نشأ الأمير بايزيد الثاني في كنف والده السلطان محمد الفاتح، الذي كان يعمل على توسيع الإمبراطورية العثمانية وتعزيز هيبتها. تلقى تعليمه في القصر العثماني، حيث درس العلوم الدينية، الأدبية، والسياسية، إلى جانب تعلم اللغات مثل العربية والفارسية والتركية. هذا الإعداد العلمي واللغوي أكسبه مكانة مميزة بين أبناء عصره.
في فترة شبابه، تولى بايزيد الثاني إدارة ولاية أماسيا، والتي كانت تُعتبر مدرسة سياسية لإعداد الأمراء العثمانيين للحكم. أسهمت هذه التجربة في تطوير مهاراته الإدارية والعسكرية، حيث واجه تحديات متعددة مكنته من فهم تعقيدات السياسة الداخلية والخارجية.
وفاة السلطان محمد الفاتح وتولي بايزيد الثاني الحكم
توفي السلطان محمد الفاتح في يوم 3 مايو 1481 م، الموافق 4 ربيع الأول 886 هجريًا، أثناء توجهه لشن حملة عسكرية جديدة يُعتقد أنها كانت تهدف لفتح إيطاليا. وقعت وفاته في منطقة جِبزة بالقرب من إسطنبول، وقد أثارت هذه الحادثة صدمة كبيرة داخل الدولة العثمانية وخارجها، نظرًا لما كان يتمتع به الفاتح من مكانة عظيمة.
بعد وفاة السلطان محمد الفاتح، واجهت الدولة فترة قصيرة من الاضطراب السياسي، حيث تنافس أبناء السلطان على العرش. لكن في النهاية، تمكّن الأمير بايزيد الثاني من حسم الأمر لصالحه، حيث تولى الحكم في 20 مايو 1481 م، الموافق 21 ربيع الأول 886 هجريًا.
استلام بايزيد الثاني لعرش الدولة العثمانية جاء في فترة حرجة، حيث كان عليه مواجهة تحديات داخلية تتمثل في صراعات على السلطة، إلى جانب تهديدات خارجية من القوى الأوروبية التي رأت في وفاة والده فرصة لإضعاف الدولة العثمانية. ومع ذلك، تمكن بايزيد من فرض سيطرته سريعًا بفضل خبرته السابقة كحاكم لولاية أماسيا، ومهاراته الدبلوماسية والعسكرية.
ثورة الإنكشارية على السلطان بايزيد الثاني: الأسباب والأحداث
في بداية حكم السلطان بايزيد الثاني للدولة العثمانية، واجه واحدة من أخطر الأزمات الداخلية، وهي ثورة الإنكشارية. وقعت هذه الثورة في عام 886 هجريًا / 1481 ميلاديًا، وجاءت كرد فعل على سياسات بايزيد التي رآها الجيش الإنكشاري لا تخدم مصالحهم بشكل مباشر.
أسباب الثورة تعود إلى عدة عوامل، أبرزها أن بايزيد الثاني كان يميل إلى الإصلاحات الإدارية والسياسية التي ركزت على تحقيق الاستقرار الداخلي للدولة، على حساب التوسع العسكري السريع الذي كان الجيش الإنكشاري يعتمد عليه للحصول على الغنائم والمكافآت. إضافة إلى ذلك، كانت الإنكشارية تُفضّل شقيقه الأمير جم ليكون السلطان الجديد، حيث رأوا فيه قائدًا أكثر شجاعة وميلًا للحروب، وهو ما يناسب تطلعاتهم.
عندما أُعلن عن وفاة السلطان محمد الفاتح، استغل الإنكشاريون هذا الفراغ السياسي لإشعال الفوضى، وقاموا بعمليات نهب في العاصمة إسطنبول للضغط على السلطان الجديد لتلبية مطالبهم. إلا أن بايزيد، المعروف بحكمته وحنكته، تعامل مع الوضع بحذر شديد.
ما حدث بعد ذلك هو أن السلطان بايزيد اضطر لتقديم تنازلات مؤقتة للإنكشارية، حيث وافق على منحهم مكافآت مالية كبيرة لتجنب تصعيد الأحداث. لكنه في الوقت ذاته بدأ العمل تدريجيًا على الحد من نفوذهم في السنوات التالية، من خلال تقوية الإدارات المدنية والعسكرية الأخرى وتقليل اعتماد الدولة عليهم بشكل كامل.
كانت هذه الثورة اختبارًا مبكرًا لحكم السلطان بايزيد الثاني، لكنها أظهرت قدرته على إدارة الأزمات الكبرى دون أن يؤدي ذلك إلى انهيار الدولة العثمانية أو فقدان سيطرته على العرش.
صراع السلطان بايزيد الثاني مع أخيه الأمير جم سلطان
بدأ صراع سياسي بين ابناء محمد الفاتح، السلطان بايزيد الثاني والأمير جم سلطان، حول من سيتولى عرش الدولة العثمانية. كان هذا الصراع واحدًا من أكثر النزاعات الداخلية خطورة في تاريخ الإمبراطورية العثمانية، حيث لم يكن مجرد صراع عائلي، بل كان أيضًا ساحة لتدخل القوى الخارجية.
1.أسباب الصراع:
عقب وفاة محمد الفاتح، كان الأمير جم سلطان يرى نفسه الأحق بالعرش، خاصةً مع دعمه من قبل بعض الأمارات التركمانيه وبعض الأوباش الناقمين على توسع الدولة العثمانية، مثل الأمير قاسم بك القرماني وبعض حكام الولايات، بالإضافه الى السطان قايتباي المملوكى. من جهة أخرى، تمتع السلطان بايزيد الثاني بدعم أكبر من الجيش والقادة والجهاز الإداري للدولة، بالإضافة إلى مكانته كوالي على أماسيا، وهي ولاية حيوية في التنظيم العثماني لتدريب الأمراء على الحكم.
2.أحداث الصراع:
بعد تولي بايزيد الثاني العرش، أعلن الأمير جم رفضه للأمر، وسرعان ما جمع جيشًا وبدأ التوجه نحو مدينة بورصة في محاولة للسيطرة عليها. بالفعل، تمكن من السيطرة على المدينة لفترة قصيرة، وأعلن نفسه سلطانًا هناك. لكن بايزيد رد بسرعة، وقاد جيشًا قويًا تمكن من هزيمة قوات جم سلطان في معركة حاسمة بالقرب من يني شهير.
بعد الهزيمة، فرّ الأمير جم سلطان إلى الدولة المملوكية فى مصر، حيث طلب الحماية من السلطان المملوكي قايتباي آنذاك. الذي أستقبلة إستقبال السلاطين والملوك مما جعل السلطان بايزيد الثانى يستشيط غضباً من الدولة المملوكية والتى ستولد عداء كبيرة بين المماليك والعثمانين لاحقًا، بدأ جم يتنقل بين القوى الأوروبية، مثل فرسان مالطا والبابوية، التي استغلته كورقة ضغط ضد الدولة العثمانية.
3.نتائج الصراع:
رغم أن السلطان بايزيد الثاني استطاع تأمين عرشه وإضعاف نفوذ الأمير جم سلطان، إلا أن وجود جم في أوروبا ظل يشكل تهديدًا دائمًا، حيث حاولت القوى الأوروبية استخدامه لتفكيك وحدة الدولة العثمانية. في النهاية، توفي الأمير جم سلطان في عام 1495 ميلاديًا في إيطاليا، ليضع ذلك نهاية لهذا الصراع الداخلي.
فتنة الأمير قاسم بك القرماني
في بداية حكم السلطان بايزيد الثاني، ظهرت العديد من التحديات الداخلية التي هددت استقرار الدولة العثمانية، كان أبرزها تمرد الأمير قاسم بك القرماني، حاكم إمارة قرمان. قاسم بك، الذي كان يرى في وفاة السلطان محمد الفاتح فرصة للتخلص من الهيمنة العثمانية على إمارته، أعلن العصيان وبدأ في جمع القوات لمواجهة السلطان الجديد.
رد السلطان بايزيد بسرعة على هذه الفتنة، حيث قاد حملة عسكرية ضد قاسم بك، تمكن خلالها من القضاء على قواته وإعادة فرض السيطرة العثمانية على إمارة قرمان. كانت هذه الحملة رسالة واضحة لبقية الإمارات والمناطق التي قد تفكر في العصيان بأن الدولة العثمانية قادرة على حماية وحدتها مهما كانت الظروف، والغريب فى الأمر أن قاسم بك أرسل الى السلطان بايزيد، رساله لكى يعفو عنه، والأغرب أن السلطان وافق وعفى عنه بل أقطعه منطقة إيج إيلي يحكمها، مما يظهر رحمة السلطان بايزيد والعفو عن أعدائة.
عودة الأمير جم سلطان إلى الأناضول وهزيمته على يد بيازيد الثانى
بعد هزيمته الأولى وفراره إلى مصر، لم يستسلم الأمير جم سلطان لطموحه في استعادة العرش العثماني. عاد مرة أخرى إلى الأناضول بمساعدة بعض الموالين له، مثل محمد بك الطرابزونى أمير أنقرة، حيث تمكن من تشكيل جيش جديد وبدأ في الزحف نحو المناطق التابعة للدولة العثمانية.
رغم أن جم سلطان كان يحظى بدعم شعبي محدود في بعض المناطق، إلا أن جيش السلطان بايزيد الثاني كان أكثر تنظيمًا وأقوى تجهيزًا. وقعت المواجهة الحاسمة بين الطرفين بالقرب من مدينة قونية في عام 1482 ميلاديًا. أسفرت المعركة عن هزيمة قوات جم سلطان مرة أخرى، وترك محمد بك الطرابزونى يواجه مصيرة وحدة امام جيش السلطان بايزيد الثانى، وفرار جم سلطان هذه المرة إلى أوروبا، حيث لجأ إلى جزيرة رودوس ومن ثم إلى فرنسا.
هزيمة جم سلطان وضعت حدًا لطموحاته في الداخل العثماني، لكنها فتحت صفحة جديدة من التحديات للسلطان بايزيد، حيث استغل الأوروبيون وجود جم سلطان كورقة ضغط ضد الدولة العثمانية لسنوات طويلة
توقف الفتوحات وأزمة السلطان بايزيد الثاني مع الجيش الإنكشاري والقادة
في عهد السلطان بايزيد الثاني، شهدت الدولة العثمانية تغييرًا ملحوظًا في سياستها الخارجية، حيث مال السلطان إلى تبني نهج السلم والاستقرار بدلًا من سياسة التوسع والفتوحات العسكرية التي اشتهرت بها الدولة منذ نشأتها. أثار هذا التوجه استياء الجيش، وخاصة الإنكشارية، إلى جانب القادة العسكريين والأمراء، الذين رأوا في هذا القرار تهديدًا لتقاليد الدولة وعوامل قوتها.
من بين أبرز القادة الذين عبروا عن معارضتهم لسياسة السلطان، كان كيدك أحمد باشا، وهو واحد من القادة العسكريين الذين طالبوا السلطان بمواصلة الفتوحات، مُستشهدين برغبة الجنود والإنكشارية في الغنائم والمكاسب التي كانت تأتي من الحملات العسكرية. لكن السلطان بايزيد الثاني، المعروف بحساسيته تجاه المعارضة المباشرة، اعتبر تدخل أحمد باشا تجاوزًا للحدود. وفي لحظة غضب، أصدر السلطان قرارًا بإعدام كيدك أحمد باشا، مما أدى إلى تصعيد غير مسبوق داخل الجيش.
ثورة الجيش الإنكشاري وتراجع السلطان بايزيد الثانى
لم يكن قرار إعدام كيدك أحمد باشا أمرًا مقبولًا لدى الجنود والقادة العسكريين، الذين رأوا فيه تعديًا على حقوقهم ورغبتهم في الحفاظ على القوة العسكرية للدولة. اندلعت حالة من الغضب والتمرد داخل صفوف الجيش، مما اضطر السلطان بايزيد الثاني إلى إعادة النظر في قراره. في خطوة نادرة من السلطان، تراجع عن أمر الإعدام وأصدر عفوًا عن كيدك أحمد باشا، في محاولة لاحتواء الأزمة.
لم يقتصر الأمر على العفو فقط؛ بل أذعن السلطان لمطالب الجيش والقادة، وأصدر قرارًا بإطلاق حملات عسكرية جديدة لاستئناف الفتوحات. ساهم هذا القرار في تهدئة الأوضاع وإعادة النظام داخل الجيش، لكنه كان نقطة تحول في سياسة السلطان، حيث أُجبر على التنازل عن ميوله السلمية لإرضاء القوى العسكرية داخل الدولة.
ثورة الجيش الإنكشاري |
حملات السلطان بايزيد الثاني على البغدان
في عام 888 هـ (1483 م)، كانت إمارة البغدان تحت حكم الأمير أسطفان بن بغدان تمثل عقبة أمام التوسع العثماني. السبب الرئيسي للحملة كان رغبة الدولة العثمانية في تأمين طرق التجارة الممتدة من البحر الأسود وضمان الهيمنة على مناطق البلقان التي شهدت توترات مستمرة مع إمارات البغدان والأفلاق.
الأمير أسطفان بن بغدان، المعروف أيضًا بلقب شتيفان الكبير، كان حاكمًا قويًا للبغدان وتميز بقدرته على مقاومة التوسع العثماني. على الجانب الآخر، كانت إمارة الأفلاق تحت حكم فلاد الراهب، الذي حافظ على علاقة مع السلطان بايزيد الثاني. هذه التحالفات الإقليمية أدت إلى تصعيد الصراع، مما جعل السلطان يقرر التحرك عسكريًا ضد البغدان لحماية مصالح الدولة العثمانية.
حصار وفتح مدينة كيلية وآق كرمان واستسلام ملك البغدان
كانت مدينتا كيلية وآق كرمان (كيليا وأكرمان حاليًا) من أهم المواقع الاستراتيجية التي سعى العثمانيون للسيطرة عليها، لما لهما من أهمية في تأمين طرق التجارة البحرية وتعزيز الدفاعات الإقليمية.
بدأ الحصار على مدينة كيلية في عام 889 هـ (أغسطس 1484 م)، حيث قاد السلطان الجيش العثماني بنفسه مدعومًا بأسطول بحري قوي بقيادة القائد الشهير كمال ريس. استُخدمت المدافع الثقيلة لتحطيم أسوار المدينة، التي كانت تحت سيطرة إمارة البغدان بقيادة الأمير أسطفان بن بغدان. بعد قتال عنيف استمر لأسابيع، استسلمت المدينة للقوات العثمانية، مما مهد الطريق نحو الهدف التالي.
لم يمضِ وقت طويل حتى توجهت القوات العثمانية نحو مدينة آق كرمان، التي سقطت هي الأخرى بعد حصار قصير بفضل التخطيط العسكري المحكم وقوة الجيش العثماني. سقوط كيلية وآق كرمان أجبر الأمير شتيفان الكبير على طلب السلام مع الدولة العثمانية، حيث اضطر إلى الاعتراف بالسيادة العثمانية ودفع الجزية مقابل احتفاظه بحكم إمارة البغدان.
الحرب العثمانية المملوكية في عهد السلطان بايزيد الثاني والسلطان قايتباي
شهدت العلاقات بين الدولة العثمانية بقيادة السلطان بايزيد الثاني والدولة المملوكية بقيادة السلطان الأشرف قايتباي توترًا كبيرًا بلغ ذروته بالحرب التي اندلعت بين الطرفين عام 890 هـ (1485 م). جاءت هذه الحرب نتيجة أسباب متعددة، أبرزها التوسع العثماني في الأناضول بعد سيطرة العثمانيين على إمارة ذي القدر التي كانت تعتبر منطقة عازلة بين الدولتين، مما أثار قلق المماليك الذين رأوا في ذلك تهديدًا لنفوذهم. كما اشتد التنافس على طرق التجارة الحيوية، خاصة عبر البحر الأحمر والشام، حيث سعى العثمانيون لتعزيز سيطرتهم على هذه الطرق على حساب المماليك الذين اعتمدوا عليها اقتصاديًا. أضف إلى ذلك الخلافات الحدودية المتزايدة في مناطق مثل أمارة بنى رمضان وأمارة ذى القدر.
اندلعت الحرب عندما أرسل السلطان بايزيد الثاني جيشًا بقيادة الأمير علاء الدين نحو المناطق الحدودية، في حين أرسل السلطان قايتباي جيش المماليك بقيادة الأميرتمراز الشمسي إلى معركة أضنة عام 891 هـ (1486 م)، حيث حقق المماليك انتصارًا بارزًا أوقف التوسع العثماني مؤقتًا. على الرغم من ذلك، استمرت المعارك والمناوشات لسنوات، كان أبرز قادتها من الجانب العثماني أحمد باشا أبن هرسك، ومن الجانب المملوكي الأمير أزبك الأتابكي. لم يتمكن أي من الطرفين من تحقيق نصر حاسم بسبب التكاليف الاقتصادية والبشرية الكبيرة للحرب، بالإضافة إلى رغبة السلطان قايتباي في الحفاظ على استقرار دولته التي كانت تواجه تهديدات من البرتغاليين في البحر الأحمر.
في عام 895 هـ (1490 م)، لعب السلطان الحفصى أبو يحيى زكريا بن يحيى دور الوسيط بين الدولتين، وتم التوصل إلى اتفاقية سلام نصت على إعادة ترسيم الحدود وتخفيف التوترات التجارية. أظهرت هذه المفاوضات براعة السلطان قايتباي في إدارة الأزمات، بينما ركز السلطان بايزيد الثاني على تعزيز استقرار جبهته الداخلية. أدى هذا الاتفاق إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، مع استمرار كل طرف في تعزيز نفوذه الإقليمي دون صدام مباشر.
سقوط الأندلس واستغاثة المسلمين بالمماليك والعثمانيين
شهد عام 897 هـ (1492 م) واحدة من أشد الكوارث في التاريخ الإسلامي، بسقوط غرناطة، آخر معاقل المسلمين في الأندلس، بيد الملكين الكاثوليكيين فرناندو الثاني وإيزابيلا الأولى. هذا الحدث أنهى حكم المسلمين الذي دام قرابة ثمانية قرون في شبه الجزيرة الإيبيرية، وأطلق موجة من الاضطهاد الديني والثقافي للمسلمين.
أسباب سقوط الأندلس
جاء سقوط غرناطة نتيجة عوامل عديدة، أبرزها التفكك السياسي بين ممالك الطوائف التي أنهكتها الصراعات الداخلية، مقابل اتحاد القوى المسيحية في الشمال تحت راية فرناندو وإيزابيلا. كما أدى انهيار الدعم الخارجي من العالم الإسلامي، خاصة بعد ضعف المرينيين في المغرب، إلى ترك الأندلسيين يواجهون مصيرهم وحدهم.
استغاثة مسلمين الأندلس
بعد سقوط غرناطة، بدأ المسلمون الأندلسيون إرسال استغاثات إلى العالم الإسلامي، طالبين الدعم لإنقاذهم من الاضطهاد والتهجير القسري. توجهت هذه الاستغاثات إلى قوتين كبيرتين آنذاك:
- الدولة المملوكية: كان السلطان الأشرف قايتباي يحكم المماليك في مصر والشام حينها، واستجاب لدعوات الاستغاثة بإرسال وفود دبلوماسية إلى حكام قشتالة لتخفيف الضغط عن المسلمين، وهدد بقطع العلاقات التجارية، لكنها كانت جهودًا محدودة بسبب التحديات الاقتصادية والسياسية التي كانت تواجه المماليك.
- الدولة العثمانية: في عهد السلطان بايزيد الثاني، أبدت الدولة العثمانية اهتمامًا أكبر بمصير المسلمين الأندلسيين. أرسل السلطان أسطولًا بحريًا بقيادة القائد كمال ريس، لنقل المسلمين الفارين من الأندلس إلى أراضي الدولة العثمانية، خاصة في مناطق الأناضول وشمال إفريقيا.
- نتائج الاستغاثة: رغم جهود المماليك والعثمانيين، لم يكن بالإمكان استعادة الأندلس بسبب البعد الجغرافي والتحديات الداخلية التي كانت تواجه الدولتين. ومع ذلك، تمكن العثمانيون من إنقاذ آلاف المسلمين وتوفير ملاذ آمن لهم. أما المماليك، فقد ركزوا جهودهم على حماية الحجاز والشام من التهديدات الخارجية.
تحرك أسطول كمال ريس لإنقاذ مسلمي الأندلس وهجماته على الجزر الصليبية
الأسطول العثماني ينقل مسلمين الأندلس لبلاد الإسلام |
الحملات العثمانية على بولونيا: وتهديدات السلطان بايزيد الثاني
كان السلطان بايزيد الثاني يواجه تحديات كبيرة في منطقة البلقان، حيث كان ملك بولونيا، يوحنا ألبرت، يحاول توسيع نفوذه في مناطق البغدان. في عام 1497م، بدأ يوحنا ألبرت حملات عسكرية ضد الأراضي العثمانية، بهدف استعادة الموانئ الهامة مثل كيلية وآق كرمان. ولكنه اصطدم بمقاومة قوية من الأمير أسطفان بن بوجدان الذي ظل مخلصًا للعثمانيين.
وفي عام 1498م، قاد القائد العثماني بالي بك بن مالقوج حملة قوية ضد بولونيا، حيث هاجم العديد من المدن البولندية الكبرى مثل كراكوف ولوبلين ورادوم، ودمرها تمامًا. استمر الجيش العثماني في زحفه حتى وصل إلى الحدود الشمالية لبولونيا، مسببًا خسائر ضخمة، ونهب الغنائم من الأراضي البولندية.
بينما فشلت بولونيا في التصدي للهجمات العثمانية، أظهرت هذه الحملات قوة العثمانيين العسكرية وقدرتهم على فرض سيطرتهم في المنطقة.
حرب السلطان بايزيد على البندُقية
بعد هزيمة بولونيا وتدمير جزء كبير من أراضيها، حاولت كل من مملكة المجر وجمهورية البندقية تجنب تكرار الكارثة من خلال إعلان الحرب على الدولة العثمانية. كان هذا في وقت شهد فيه السلام الهش بين الدولة العثمانية والبندقية عقب هزيمة البندقية في الحرب الكبرى خلال فترة السلطان محمد الفاتح. من أسباب أخرى لاندلاع الحرب كانت الغارات العثمانية المستمرة على ممتلكات البندقية، بالإضافة إلى إساءة معاملة البنادقة للتجار والبحارة العثمانيين. كما استغلت البندقية انشغال السلطان بايزيد الثاني في حربه مع المماليك وأرسلت أساطيلها البحرية لمهاجمة السواحل العثمانية في شبه جزيرة المورة.
ولكن بعد انتهاء هذه الأزمات، قرر السلطان بايزيد التصدي للبنادقة. فبدأ بتجهيز الأساطيل العسكرية الضخمة، شملت سفن ضخمة مزودة بالمدافع وطاقم من المقاتلين المدربين. بتلك الاستعدادات، كان السلطان في كامل جاهزيته لتوجيه ضربة قوية للبندقية في الثغور المتبقية على أطراف أراضيها.
حملة بايزيد الثانى على التيرول والفريول
في إطار تعزيز الحملة ضد البندقية، أرسل السلطان بايزيد إسكندر بك في 1499م لشن هجمات على المناطق الحدودية بين العثمانيين والبندقية. بدأ إسكندر بك حملته بتخريب القرى في التيرول، ثم واصل الهجوم على مناطق أخرى مثل إقليم الفريول وصولًا إلى ضواحي مدينة البندقية نفسها. بالرغم من الصعوبات، تمكن من إلحاق خسائر فادحة بالبندقية وأسر العديد من السكان، قبل أن يواجه هجومًا مضادًا من الجيش البندقي.
معركة زونكيو: الحسم العسكري
مع دخول السنة 1499م، كانت الاستعدادات العسكرية العثمانية في أوجها. فبعد حملة إسكندر باشا، قرر السلطان بايزيد مواصلة الحملة العسكرية ضد البندقية. في مايو 1499م، بدأ السلطان حملته عبر البحر الأبيض المتوسط تحت قيادة مصطفى باشا، محاصرًا ميناء ليبانت. في معركة عنيفة ضد الأسطول البندقي، نجح العثمانيون في تدمير جزء كبير من الأسطول، ما أدى إلى سيطرة العثمانيين على ميناء ليبانت في أغسطس 1499م.
كانت هذه الانتصارات العثمانية بمثابة خطوة حاسمة نحو تعزيز السلطة العثمانية في البحر الأبيض المتوسط، وتمكن السلطان من تعزيز وجوده في المنطقة بأسرها.
فتح قلاع مودونة وكورونة ونافارين: تعزيز السيطرة العثمانية في البحر الأبيض المتوسط
بعد معركة ليبانت الشهيرة، التي أسفرت عن هزيمة أسطول البندقية، كان السلطان بايزيد الثاني مصمماً على القضاء على النفوذ البنادقي في البحر الأبيض المتوسط. في عام 1499م (905هـ)، بدأ العثمانيون في تنفيذ هجوم واسع النطاق على المواقع الاستراتيجية للبندقية، فاستولوا على جزيرة كفالونية وهاجموا ميناء برويزة، مما أسفر عن تدمير بعض السفن العثمانية.
استجابة لذلك، أرسل السلطان بايزيد على باشا الخادم مع جيش يتكون من 30 ألف مقاتل لمحاصرة قلعتي مودونة وكورونة، في حين أرسل القبطان كمال ريس لمحاصرة هذه القلاع من البحر. وفي 905هـ ( 1500م)، انضم السلطان بايزيد إلى الحملة بنفسه، وتمكن العثمانيون من محاصرة قلعة مودونة بعد معركة بحرية حاسمة مع السفن البنادقية.
في محرم 906هـ ( أغسطس 1500م)، اقتحم العثمانيون مدينة مودونة بعد مقاومة شديدة من الحامية البنادقية، التي تم إعدام الكثير منهم، بينما تم أسر البقية. بعد هذا النصر، توجه علي باشا الخادم إلى قلعة كورونة وناورين، حيث وجد الأولى مهجورة من قبل الحامية، بينما استسلمت كورونة بعد مفاوضات صلح. وبتوجيه من السلطان، تم تعزيز وتحصين هذه القلاع، ليتمكن العثمانيون من توسيع نفوذهم في المنطقة
فتح ما تبقى من المورة: التوسع العثماني في الأراضي اليونانية
بعد نجاح العثمانيين في السيطرة على قلاع مودونة وكورونة ونافارين، كان السلطان بايزيد الثاني يهدف إلى إتمام فتح ما تبقى من المورة، وهي منطقة استراتيجية هامة في اليونان. أرسل السلطان العثماني القائد علي باشا إلى المنطقة لاستكمال التوسع العثماني وتحقيق السيطرة الكاملة على شبه الجزيرة.
أثناء حملة علي باشا، وجد أن العديد من القلاع والمواقع في المورة كانت خالية من الحاميات البنادقية، حيث فر سكانها إلى الأراضي الإيطالية. ومع ذلك، كانت بعض القلاع لا تزال تحت سيطرة القوات البنادقية، مثل قلعة كورونة، التي استسلمت بعد مفاوضات صلح. وبفضل التدابير العسكرية المحكمة، تمكن العثمانيون من فرض سيطرتهم على المورة بالكامل، مما عزز من استقرار الإمبراطورية العثمانية في البحر الأبيض المتوسط.
بعد إتمام الفتح، قام السلطان بتعيين علي باشا أميرًا على أراضي المورة، حيث حصل على صلاحيات واسعة لإدارة المنطقة وتنظيم شؤونها. وبذلك، أصبحت الدولة العثمانية في موقع قوي يعزز من نفوذهم في الأراضي اليونانية ويحد
هجمات البندقية على جزيرة مدللي: الصراع العثماني والبندقية
خلال فترة التوسع العثماني في البحر الأبيض المتوسط، كانت جزيرة مدللي، الواقعة في بحر إيجه، هدفًا للعديد من الهجمات من قبل القوات البنادقية. ففي عام 1500م (906هـ)، بينما كانت الإمبراطورية العثمانية في أوج قوتها، حاولت البندقية استعادة بعض المناطق التي فقدتها في البحر المتوسط، وكان من بينها جزيرة مدللي الاستراتيجية.
البندقية كانت تأمل في قطع طريق التجارة البحرية عن العثمانيين، وزعزعة استقرارهم في المنطقة، خاصة بعد سلسلة من الهزائم التي تعرضت لها في معركة ليبانتو. رغم القوة البحرية العثمانية المتفوقة، حاولت البندقية إرسال أساطيل لشن هجمات على جزيرة مدللي، لكنها واجهت مقاومة شرسة من القوات العثمانية. حيث تمكنت البحرية العثمانية، بقيادة القائد داود باشا، من التصدي لهذه الهجمات، مما أدى إلى فشل محاولات البندقية في احتلال الجزيرة.
في هذه الفترة، كانت جزيرة مدللي ذات أهمية استراتيجية كبيرة نظرًا لموقعها بين بحر إيجه وطرق التجارة الرئيسية. فإلى جانب الجانب العسكري، كان للجزيرة قيمة اقتصادية وتجارية هامة، مما جعل السيطرة عليها أولوية لكل من العثمانيين والبنادقة.
استغاثة المورسكيين بالسلطان بايزيد الثاني: دعوة العون في وجه الاضطهاد
شهدت الأندلس نهاية عصرها الإسلامي بعد سقوط آخر مملكة إسلامية، غرناطة، في عام 1492م. ورغم الوعود التي قطعها الإسبان للمورسكيين، وهم المسلمون الذين بقوا في الأندلس بعد سقوط غرناطة، بتسوية أوضاعهم والحفاظ على حقوقهم، إلا أن الاضطهاد الديني والثقافي استمر في التزايد.
بعد إعلان المرسوم الملكي في 1502م الذي جعل التحول إلى المسيحية إجبارياً للمورسكيين، بدأت معاناتهم تتفاقم، مما دفع الكثير منهم إلى البحث عن مخرج من هذا الوضع القاسي. هنا ظهرت استغاثة المورسكيين بالسلطان بايزيد الثاني، الذي كان يعرف بفتح أبواب الدولة العثمانية أمام من يلجأ إليها طلباً للحرية والأمن.
في عام 1501م، قُدِّمت استغاثة المورسكيين الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد، إلى السلطان بايزيد الثاني. كانت تلك الاستغاثة تندد بالظلم الذي وقع عليهم، وتطلب من السلطان أن يمد يد العون لهم. كان بايزيد الثاني على دراية بالصعوبات التي يواجهها المورسكيون في الأندلس، لذلك قرر إرسال رسالة إلى ملك إسبانيا، فرديناند الكاثوليكي، يحثه فيها على مراعاة حقوق المورسكيين وضمان حريتهم في ممارسة دينهم.
وعلى الرغم من فشل هذه المحاولات في إيقاف الاضطهاد الإسباني، إلا أن السلطان بايزيد، الذي كان معروفاً بمواقفه الإنسانية، استمر في استقبال المورسكيين الذين فروا من الأندلس، حيث استقبلهم في أراضي الدولة العثمانية، ومنحهم الأمان.
تعتبر استغاثة المورسكيين بالسلطان بايزيد الثاني حدثًا مهمًا في تاريخ العلاقات بين الدولة العثمانية والمورسكيين، حيث تعكس التزام العثمانيين بالدفاع عن حقوق المسلمين في أي مكان والوقوف ضد الاضطهاد الديني.
ظهور الصفويين: نشوء دولة جديدة في قلب الشرق الأوسط
شهدت المنطقة الواقعة بين إيران وتركيا تغيرات كبيرة في المشهد السياسي والديني. كان هذا التغيير مرتبطًا بظهور دولة الصفويين، التي ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد معالم تاريخ الشرق الأوسط لعدة قرون قادمة.
تأسس النظام الصفوي على يد إسماعيل الصفوي في عام 1501م، حيث أعلن نفسه شاهًا في مدينة تبريز وبدأ في تشكيل دولة الصفويين التي ستصبح لاحقًا واحدة من القوى الكبرى في المنطقة. وقد كانت الصفوية في البداية حركة دينية صوفية قبل أن تتحول إلى دولة قوية تضم مختلف الأعراق والمذاهب.
ترتبط نشأة الصفويين بشكل وثيق بالحركات الصوفية، خاصةً الطريقة الصفوية التي كانت لها قاعدة واسعة في المناطق التركية والفارسية. هذه الطريقة كانت تروج للتشيع الإثنا عشري كجزء من هويتها، مما منحها طابعًا دينيًا مميزًا.
أما في السياسة، فقد شهدت بداية الدولة الصفوية صراعًا قويًا مع العثمانيين. كان إسماعيل الصفوي، الذي نشأ في بيئة دينية محورية، يسعى لتوسيع نفوذ الشيعة في المنطقة ومواجهة المماليك والعثمانيين الذين كانوا يمثلون القوة السنية الكبرى في المنطقة. نتيجة لذلك، كان هناك صراع طويل بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية حول السيطرة على الأراضي المهمة في منطقة القوقاز وما وراءها.
الخطر الصفوي في عهد السلطان بايزيد الثاني ودور الأمير سليم
واجهت الدولة العثمانية تحديات متزايدة من الدولة الصفوية بقيادة الشاه إسماعيل الأول. كان الصفويون يمثلون تهديدًا سياسيًا ومذهبيًا، حيث توسعوا في شرق الأناضول، ونشروا المذهب الشيعي بين القبائل التركمانية في المناطق العثمانية، مما أثار القلق من زعزعة استقرار الدولة.
رغم خطورة التهديد، اتبع السلطان بايزيد الثاني سياسة متحفظة، حيث فضّل تجنب المواجهة المباشرة مع الصفويين. ركز على تأمين الحدود وإدارة الأوضاع الداخلية، مما أدى إلى انتقادات من بعض الأطراف داخل الدولة، وعلى رأسهم ابنه الأمير سليم الأول.
الأمير سليم، الذي كان واليًا على طرابزون، أخذ زمام المبادرة في التصدي للصفويين. قاد حملات عسكرية على المناطق الحدودية، مستهدفًا القبائل الموالية للصفويين، وأظهر براعة في مواجهة التغلغل الصفوي في شرق الأناضول. تصرفات الأمير سليم عكست طموحه السياسي ورؤيته لضرورة اتباع سياسة هجومية لوقف التمدد الصفوي.
هذا الاختلاف في النهج بين السلطان بايزيد وابنه سليم خلق توترًا بينهما، واعتبر سليم أن والده لم يكن حازمًا بما يكفي لمواجهة الصفويين، مما أدى لاحقًا إلى صراع على الحكم. في نهاية المطاف، لعب الأمير سليم دورًا محوريًا في تعزيز قوة الدولة العثمانية ضد الصفويين عندما أصبح سلطانًا.
جيش الأمير سليم القاطع |
الاضطرابات الداخلية في آخر عهد السلطان بايزيد الثاني
في السنوات الأخيرة من حكم السلطان بايزيد الثاني ، عانت الدولة العثمانية من اضطرابات داخلية متزايدة، أثرت على استقرار الحكم وأبرزت التوترات بين السلطان وأبنائه. من أبرز هذه الاضطرابات:
1.الصراع على العرش:كان التنافس بين أبناء السلطان بايزيد على خلافته أحد أبرز التحديات التي واجهها في أواخر عهده. اشتهر الصراع بين الأمير أحمد، الذي كان مقربًا من السلطان ويحظى بدعمه، والأمير سليم الأول، الذي كان يتمتع بدعم الإنكشارية وقادة الجيش. أدى هذا الصراع إلى انقسام داخلي في الدولة، حيث تحرك سليم بقوة عسكرية مطالبًا بالحكم بعدما رأى ضعف والدة فى مواجهه التمدد الصفوى الشيعي.
2.تمردات الإنكشارية:
كان دعم الإنكشارية للأمير سليم سببًا رئيسيًا في تزايد نفوذ الأخير. أثارت هذه التمردات قلق السلطان بايزيد، حيث أصبحت القوات العسكرية أداة ضغط على السلطان للتنازل عن العرش لصالح ابنه سليم.
3.تهديدات الصفويين:
إلى جانب التوترات الداخلية، كانت الدولة العثمانية تواجه ضغطًا متزايدًا من الصفويين، مما جعل العديد من القادة يرون أن سياسة بايزيد السلمية لم تكن كافية لحماية الدولة من هذا التهديد المتنامي.
4.التنازل عن العرش:
تحت ضغط سياسي وعسكري داخلي، قرر السلطان بايزيد التنازل عن العرش لصالح ابنه سليم الأول عام 1512م. بعد التنازل، توجه بايزيد إلى مدينة ديموتيقة حيث توفي بعد أشهر قليلة.
وفاة السلطان بايزيد الثاني: نهاية عهد طويل من الحكم
بعد أن تنازل السلطان بايزيد الثاني عن العرش لابنه سليم الأول، قرر التفرغ للعبادة في مدينة ديموتيقة. على الرغم من محاولات سليم لإقناعه بالبقاء، أصر بايزيد على رحيله، قائلاً: "السيفان لا يجتمعان في جرابٍ واحد". في ( 918هـ 1512م)، توفي بايزيد في سكودلودره بالقرب من مدينة أدرنة.بعد تنازله عن العرش لصالح ابنه سليم الأول. جاءت وفاته إثر تدهور حالته الصحية خلال رحلته إلى هذه المدينة، حيث قرر قضاء ما تبقى من حياته بعيدًا عن السياسة والصراعات الداخلية.
عاش السلطان سنواته الأخيرة في عزلة، متأثرًا بالضغوط السياسية والخلافات التي أنهكت حكمه، لا سيما صراع أبنائه على الحكم وتمرد الإنكشارية. برحيله، انتهى فصل من الاستقرار النسبي للدولة العثمانية، وبدأ عهد جديد تحت قيادة سليم الأول، الذي ركز على توسيع حدود الإمبراطورية ومواجهة التهديدات الصفوية والمملوكية.
المصادر التاريخية الموثوقة عن السلطان بايزيد الثانى
تُعتبر هذه المصادر مرجعًا موثوقًا لدارسي التاريخ العثماني والراغبين في التعمق بفترة حكم السلطان بايزيد الثاني.
- "تاريخ الدولة العثمانية" للمؤرخ يلماز أوزتونا، الذي يُعد مرجعًا شاملًا يتناول حياة السلطان بايزيد الثاني وسياسته الداخلية والخارجية بالتفصيل.
- "التاريخ الإسلامي" لمحمود شاكر، الذي يناقش جوانب مهمة من دور السلطان في الحفاظ على وحدة الدولة العثمانية وتعاملاته مع القوى الإسلامية والمسيحية.
- "تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة" للدكتور محمد سهيل طقوش، الذي يقدم تحليلًا دقيقًا لفترة حكم بايزيد الثاني، بما في ذلك حروبه مع المماليك والصليبيين.
- "الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط" للدكتور علي محمد الصلابي، حيث يعرض الكتاب رؤية شاملة لحكم السلطان بايزيد الثاني ضمن السياق العام للدولة العثمانية.
خاتمة المقالة
سلطان بايزيد الثاني ترك بصمة واضحة في تاريخ الدولة العثمانية كحاكم متوازن جمع بين الدبلوماسية والحرب، مما حافظ على استقرار الدولة في وقتٍ كانت فيه التحديات الداخلية والخارجية تهدد وجودها. أظهر بايزيد الحكمة في تعامله مع الأزمات، سواءً عبر جهوده لنشر العدالة أو تعزيز الوحدة داخل الدولة. ورغم الإنجازات الكبيرة، عانى عهده من صراعات داخلية، خاصة مع أبنائه، التي أنهت مسيرته السياسية بشكل مأساوي. كان عهده بمثابة درسٍ عميق حول أهمية القيادة الحكيمة في الأوقات الصعبة.
شاركنا رأيك فى تعليق!
- كيف ترى موقف السلطان بايزيد الثاني تجاه تجنب الحروب؟ وهل تعتقد أن الميل للسلم ساهم في استقرار الدولة؟
- ما رأيك في سياسة بايزيد تجاه المماليك وحربه معهم؟ وهل كانت هذه الحرب ضرورة أم يمكن تفاديها؟
- كيف تقيِّم تعامل السلطان مع الصفويين في ظل التحديات المذهبية والسياسية التي فرضوها؟
- برأيك، ما الأسباب التي دفعت السلطان بايزيد إلى الصراع مع أبنائه؟ وهل يمكن اعتبارها نتيجة لسياساته أم لطموحهم الشخصي؟
شكرًا لزيارتك مدونتي!
أحب أن أسمع أفكارك وآراءك حول ما تقرأه هنا. يرجى ترك تعليقك أدناه وإخباري برأيك في المقالة. تعليقاتك ذات قيمة بالنسبة لي وتساعد في تحسين المحتوى الذي أقدمه.
ملاحظة:
يرجى تجنب استخدام اللغة الغير اللائقة.
سيتم إزالة التعليقات التي تحتوي على روابط غير مرغوب فيها أو لغة مسيئة.
شكرًا لوقتك وأتطلع لقراءة تعليقاتك!